لست مجنونا
في
ساحة مستشفى الأمل للأمراض النفسية، كان الشاب عمر صالح -ذو السابعة عشرة-
والذي يتناول القات منذ ست سنوات يعارك الأطباء للإفلات منهم وهو يصرخ
"أنا لست مجنوناً". وتقول والدته التي كانت إلى جواره: "عمر ليس مجنونا
بالفعل، ولكنه يعاني من أوهام وشكوك بأن أسرته تريد قتله".
ويعتقد شقيقه الأكبر (محمد) أن القات والسهر هما اللذان أوصلاه إلى هذه الحالة.
أخصائي
الأمراض النفسية في المستشفى، الدكتور محمد عامر ذمران، يكشف أن "تناول
القات يجعل الطالب يبالغ في الهموم والمشاكل والأوهام، ويزيد من القلق
والاكتئاب والشكوك".
ومن
خلال الملاحظة السريرية للمرضى طوال عشر سنوات، يؤكد الدكتور ذمران أن
"معظم المرضى النفسيين من صغار السن هم من مدمني القات، وأن أكثر حالات
الانتحار بين المراهقين في اليمن تحدث بعد تناول القات".
ويقول
الدكتور ذمران: "الشعور بالسعادة والتركيز الحاد لدقائق أو لساعة (بحسب
نوع القات)، هو ما يجلبه القات من تأثير إيجابي لصغار السن، لكن سرعان ما
تتلاشى الابتسامة ويغوص التركيز وسط كومة من المشاعر المضطربة والقلق
النفسي والاكتئاب".
واستنادا إلى الدكتور ذمران، تؤكد دراسة نفذها الدكتورجيجرGeiger""
ومجموعة من الباحثين في الطب النفسي أجريت عام 1994م على بعض الحالات التي
تتناول القات في مستشفى هيث هيرتون في أستراليا, أن "القات يعمل على زيادة
مادة الدوبامين في الدم، والتي تعمل على زيادة درجة الشكوك بخاصة بعد
الإقلاع عنه".
وأشارت الدراسة إلى أنه ثبت للدكتور Geiger""
وفريقه البحثي من خلال الفحوصات الإكلينيكية التي أجريت على الحالات أن
هناك ذهاناً ينتج عن تناول القات يشبه الذهان الناتج عن تعاطي الامفيتامين
وذهان البرانويا.
ويوضح
الاستبيان -الذي وزعه كاتبا التحقيق على طلاب المدارس- أن 80% من
المبحوثين يشعرون بالارتياح والسعادة في الساعات الأولى من تناول القات،
ولكن سرعان ما ينقلب هذا الإحساس عند تسعة من كل عشرة طلاب إلى قلق
واكتئاب، بينما 20 % يشعرون بخوف غير مبرر.
وهذا
ما يؤكده الطالب بندر ع. و (15عاما) بالقول: "أول مرة تناولت القات،
اصطحبني والدي إلى عرس ابن عمي وأعطاني حزمة قات، يومها لم أستطع النوم من
الخوف"، ويضيف بندر -الذي يتناول القات مرتين في الأسبوع- "بعد أن أنتهي من
(التخزينة) أخاف البقاء بمفردي حتى لو كنت في غرفتي".
أخصائي
الأمراض النفسية الدكتور عبده الشليلي يفسر هذا الخوف "بارتفاع إنزيمات
معينة في الدماغ خارج المعدل الطبيعي تؤدي إلى هذه الحالات الشعورية".
ويقول الدكتور الشليلي أنه استقبل خلال عام 2012 في عيادته 120 حالة تتراوح
أعمارهم بين 15-20 عاما ويمثلون 20% من الحالات المرضية.
وقد
تتطور الحالة المرضية عند متناولي القات من هذه الفئة العمرية إلى ما هو
أسوأ، يقول الدكتور الشليلي: "بالاستمرار في تناول القات وانعدام التغذية
الجيدة، يتأثر الدماغ كيميائيا ويتطور المرض إلى حالة انفصام في الشخصية"،
جازما بأن للقات علاقة قوية بإصابة الطلاب بهذا المرض.
ويعزز
هذا الجزم دراسة ميدانية نفذها رئيس مجلس إدارة مستشفى الأمل للأمراض
النفسية والعصبية الدكتور حميد زياد على 30 حالة عشوائية مصابة بأمراض
نفسية بسبب تناول القات ثبت أنها تعاني حالة انفصام في الشخصية.
وفي
كتاب (القات كارثة اليمن) يقول الدكتور زياد، الذي يرأس أيضا جمعية "يمن
بلاقات": "فوجئنا من خلال تتبع حالات الأمراض النفسية في بعض المناطق
المزروعة بالقات، بأن معظم الحالات من الشباب المتناولين للقات مصابون بمرض
انفصام الشخصية".
ويصف
رئيس المجلس الأعلى للتعليم الطبي وأستاذ الجهاز العصبي بكلية الطب بجامعة
صنعاء البروفسور حُسني الجوشعي "انفصام الشخصية" بأخطر أنواع الأمراض التي
يسببها تناول القات للمراهقين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق